رجائي من الذين يصممون حملات التبرع على شاشة رمضان أن يتابعوا حملة من هذا النوع، تعمل في الكويت هذه الأيام، وأن يتعلموا منها شيئين: الأول كيف يكون التبرع، وكيف يكون دفع الناس إليه.. والثانى كيف يمكن إنفاق المال الذى تبرع به أصحابه، وأين بالضبط يجب إنفاقه!
ليس في الحملة شىء من استدرار العطف بـ«العافية»، كما نرى ونتابع على شاشاتنا، وليس فيها متاجرة بأوجاع المحتاجين، ولا فيها تسول، ولا «شحاتة»، ولا مطاردة للمشاهدين حيث كانوا.. ليس فيها شىء من هذا أبداً، ولكن فيها عكسه على طول الخط وعرضه.. فيها احترام للمشاهد، والمتابع، والمحتاج معاً.. فيها وعي بأن صاحب المال الذى تطلب أنت تبرعاً منه ليس في حاجة إلى أن تظل تلاحقه، وأن المحتاج لا يستحق منك هذا التجريس المباشر على الهواء!
بدأت الحملة هناك بإحصاء الأُسر المحتاجة داخل الكويت، ثم انتقلت بعد الإحصاء إلى مرحلة ثانية، هى حصر الأشياء ذات الأولوية في مد يد العون لدى هذه الأُسر، وعلى هذين الأساسين بدأ العمل، وانطلق، ولايزال يمضى في ذات الاتجاه!
تبين من الإحصاء ومن الحصر أن تلك الأُسر تحتاج أشياء كثيرة، غير أنها أشد احتياجاً إلى سداد رسوم دراسية لأطفالها في المدارس، ثم إلى الوفاء بمتأخرات إيجار فى المساكن تراكمت عليها.
كانت هذه هى بداية الحملة التى جاءت بشاشة ضخمة علقتها في مكان عام، وأعلنت أنها تبدأ في تلقى التبرعات، وأن المستهدف هو جمع ٣٠٠ ألف دينار كويتي، سوف يتم إنفاقها على رسوم دراسية لطلاب عجزوا عن سدادها، وعلى إيجارات متأخرة.. وما إن انطلقت الحملة حتى كانت قد جمعت أربعة ملايين دينار فى ١١ ساعة، وهو مبلغ يساوى ٢٤٠ مليون جنيه تقريباً!
قال مسؤول الحملة وهو يتحدث عن حصيلتها إن ١٤٠٠ طالب سوف يكونون في مدارسهم، مع أول يوم من العام الدراسى المقبل، وإن ٢٩٦ أسرة لا تملك إيجار مسكنها سوف تكفيها الحملة ذل سؤال الناس، على مدى عام، وإن هناك بقية أخرى قادمة من الطلاب، ومن الأُسر، وإن الهدف ألا يكون على أرض الكويت طالب عاجز عن دفع رسوم دراسته، ولا أسرة مُهددة بالطرد من مسكنها، لأنها لا تملك إيجاره!
هل يعرف أهل الخير فى مصر أن مشروعاً خيرياً شهيراً لا يتوقف عن الإلحاح من أجل التبرع له، جاءه ذات يوم عرض من شخصية عربية بالتكفل ببناء مبنى كامل يحتاجه، فرفض، وطلب مالاً في يده ليبنى براحته هو؟!
حدث هذا في واقعة أعرفها، وأعرف طرفيها، بما يدل على أن في المشروع أشياء أخرى، ليس من بينها فعل الخير!
والغريب أن المشروع نفسه عندما يتكلم عن نفسه فى الإعلام، يقول إنه مشروع قام بالأيادى المصرية وحدها، مع أن الأيادى العربية التي دعمته، ولاتزال، كثيرة !.. فلماذا نبخس الناس أشياءهم؟!
حملة الكويت تُعرى كثيرين ممن يجعلون الواحد منا يخجل من شكل شاشة رمضان، وتدعو الجادين في عمل الخير، بيننا، إلى أن يتعلموا منها.