إضاءات | الداعية الشيخ د. عبدالرحمن السميط

(قبل ثلاثين سنة تقريباً، اتصل بي أحد الأخوة الأفاضل وذكر لي أن إحدى المحسنات واسمها أم عليتبرعت لبناء مسجد، فاقترحنا عليها أن تبنيه في منطقة فقيرة تحتاج لهذا المسجد ولا يستطيع المسلمون هناك أن يبنوه .

فذهبنا إلى جمهورية مالاوي في الجنوب من قارة إفريقيا.. وصدمنا بما رأينا هناك من مآسي وآلام يعيشها إخواننا ونحن عنهم غافلونبهذه الكلمات وصف الدكتور السميط رحمه الله عن بداياته في العمل الخيري بإفريقيا، وتأسيسه سنة 1981 للجنة مسلمي ملاوي، والتي تحولت لاحقاً إلى لجنة مسلمي إفريقيا“، ومنها إلى جمعية العون المباشر“، والتي ساعدت الملايين بخدماتها الإنسانية والصحية والتعليمية ومساجدها وآبارها ومشاريعها الخيرية المتنوعة. لعب الدكتور السميط دوراً مهماً في القارة السمراء، حيث كان سبباً في إعتاق الملايين من النار، إذ شيّد ما يزيد على 4500 مسجد، بالإضافة إلى أربع جامعات و 860 مدرسة، ورعاية 15 ألف يتيم، وحفر 13000 بئر ماء، هذا إلى جانب بناء المراكز الإسلامية و256 مستوصف، وتدريب 4000 داعية ومعلم، وإنشاء مقابر للمسلمين، وتنفيذ أكثر من 150 مخيم طبي متخصص لعلاج أمراض العيون، وتكوين عدة جسور جوية للإغاثة لنقل المساعدات والمعونات العاجلة إلى مناطق الجفاف والمجاعة في مختلف الدول الإفريقية.

فبعد أن كان سكان القارة الإفريقية عرضةً للخرافات والمعلومات غير الصحيحة عن الإسلام، قرر السميط أن يتحوّل من الطب، حيث أنه يحمل شهادة من جامعة بغداد كلية الطب“، ودبلوم في أمراض المناطق الحارة من جامعة ليفربول، وتخصص في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي من مستشفى مونتريال العام، ليدخل ميدان العمل الإنساني، وينشر الدين الإسلامي في أفقر قارات العالم.

اعتمد السميط في عمله الخيري بإفريقيا على الأفراد، معتبراً أن مجابهة المجاعات هناك ليست مسؤولية الدول فقط، وإنما يستطيع الجميع المساهمة ولو بمبالغ قليلة، لأنها ستكون قادرةً على نقل إفريقيا من حالة الفقر إلى الغنى.

ومن الإستراتيجيات التي اتبعها السميط في تحسين نوعية حياة الأفارقة، أنه كان لا يقدم المال للمحتاجين، ولكنه يبني مشاريع توفر لهم مداخيل يعيشون منها كافتتاح البقاليات أو شراء ماكينات خياطة وإقامة مزارع.

وهكذا عاش السميط بين الأفارقة في منزل متواضع وهو يمارس نشر الدعوة للإسلام ويجذب السكان للدين بمعاملته الحسنة ودعمه لهم بالخدمات الطبية والاجتماعية والتعليمية، حيث يروى عنه أنه كان يركب السيارة لساعات طويلة ليصل إلى المحتاجين، كما أنه كان يحمل الهدايا لملوك القبائل والحلوى لصغارها ليحببهم بالدين، فكان ملماً على نحو جيد بعادات القبائل الإفريقية وكيفية التعامل معها، وهي ميزة لا تتوفر في كثير من الدعاة، وهو ما أشار إليه السميط بقوله: إن تطور أسلوب الدعوة أقره القرآن والسنة النبوية الشريفة، فلكل مجتمع أولويات ونظرة وقيم وعادات تختلف عن المجتمعات الأخرى“.

كما كان السميط يشرف بنفسه على جلسات تحفيظ القرآن الكريم، ويجد متعةً حين يرى إقبال الصغار على التعليم، حيث أورد في إحدى تغريداته على تويتر قبل وفاته: أجد طعم السعادة حينما أفتتح مدرسة فى منطقة لم تعرف طعم التعليم“.

ومن أبرز مشاريع السميط الدعوية في إفريقيا أسلمة قبائل الأنتمور ذات الأصل المسلم والتي فقدت هويتها متحولةً إلى الوثنية، وعددهم نصف مليون نسمة، وبالفعل أثمرت جهوده بإسلام أعداد كبيرة منهم، الأمر الذي أسعد السميط واصفاً ذلك بإحدى تغريداته على مواقع التواصل: أجد طعم السعادة حينما ترتفع سبابة إلى السماء تشهد لأول مرة بوحدانية الله“.

حاز الدكتور عبد الرحمن السميط قبل وفاته على العديد من الجوائز التقديرية لإنجازاته المميزة في مضمار العمل الإنساني كوسام رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي عن العمل الخيري عام 1986، وجائزة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه اللهلخدمة الإسلام والمسلمين عام 1996، إلا أنه ظلّ حتى اللحظات الأخيرة من حياته يحلم بالمزيد من العطاء فكانت آخر تغريداته على تويتر رحمه الله: أعيش من أجل إنقاذ إخواني في القارة السمراء، وأموت من أجل ذلك فما زال الهدف الأساس بعيداً جداً ولا وقت لدي الآن للتفكير في غير ذلك“.

 

 

 

 

 

المصدر: MBC

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *